عندما فرت فيكتوريا، وهي محاضِرة جامعية متقاعدة، من أوكرانيا، حيث هاجم الجيش الروسي مدينتها خاركيف، لم يكن لديها الكثير من الخيارات بالنسبة للمكان الذي ستذهب إليه. فهي ليس لها أقارب في أوكرانيا أو في أجزاء أخرى من أوروبا. لكن لا يزال لديها صديق من المدرسة في وارسو، العاصمة البولندية، كانت تزوره كثيراً قبل بدء الحرب. لذا، فقد صعدت إلى أحد القطارات المزدحمة التي تغادر المدينة وتوجهت غربا.

وعندما وصلت إلى مدينة برزيميل الحدودية البولندية، لم تتوقع دفء الاستقبال الذي حظيت به.

تقول: «لقد فوجئت بحفاوة استقبال البولنديين لنا. إنني أسافر بانتظام إلى بولندا، ولكن هذه المرة كان البولنديون أكثر لطفاً. إذا تحدثت إلى شخص ما، فسيساعدك على الفور. لقد تغير موقف البولنديين تجاه الأوكرانيين».

ويوافق ولاديسلو، وهو متطوع بولندي يعمل مع مجموعة «الطعام وليس القنابل» (فوود آند نوت بومبز) التي توفر الطعام لللاجئين عند معبر ميديكا الحدودي، على أن الدعم السخي من الجمهور البولندي للاجئين الأوكرانيين أمر لم يكن يتوقعه.

يقول: «لم نتوقع مثل هذا الرد الإيجابي من البولنديين تجاه اللاجئين، بالنظر إلى ما حدث مؤخراً على الحدود البيلاروسية». وهو يشير إلى مواجهة متوترة حدثت العام الماضي عندما تم حصار طالبي اللجوء من الشرق الأوسط في منطقة عازلة شديدة البرودة بين بولندا وبيلاروسيا، والتي استغلت المهاجرين للضغط على الاتحاد الأوروبي. فقد مات ما لا يقل عن 19 شخصاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الحكومة البولندية منعت أعضاء منظمة ساماريتان بيرس (منظمة إنسانية مسيحية إنجيلية تقدم المساعدات إلى المحتاجين) من مساعدتهم.

ويضيف ولاديسلو: «السؤال هو إلى متى سيستمر هذا الموقف الودي تجاه الأوكرانيين من قبل البولنديين».

يذكر أن بولندا، مثل الكثير من دول أوروبا الشرقية، لديها علاقة مضطربة مع الغرباء، وسجل قاتم في التعامل مع طالبي اللجوء من خارج أوروبا. ولكن في تطور في القدر والجغرافيا، كانت بولندا والمجر، وغيرهما من دول أوروبا الشرقية ذات الأبواب المغلقة الأشد تضررا من الأزمة الإنسانية الناجمة عن نزوح اللاجئين من أوكرانيا.

وفي انعكاس للتاريخ، حتى حكومتا بولندا والمجر رحبتا بالأوكرانيين. وسارعت الجمعيات الخيرية هناك لمساعدة الوافدين الجدد. كانت الجهود الشعبية والجهود الفردية ملحوظة - حتى أن الأمهات البولنديات تركن عربات الأطفال الرضع في محطة القطار للنساء الأوكرانيات اللواتي لديهن أطفال صغار.
لكن هناك تناقض صارخ بين الاستقبال الذي يشهده الأوكرانيون الآن والاستقبال الفاتر الذي تلقاه اللاجئون من سوريا خلال أزمة اللاجئين في أوروبا عام 2015. بينما رفضت أوروبا الشرقية، قبل سبع سنوات فقط، استقبال عدد رمزي من طالبي اللجوء من الملايين الفارين من الحرب الأهلية في سوريا، فإنها الآن تفتح أبوابها أمام من هم في وضع مشابه للغاية.
فما السبب؟
تقول راشيل رايلي، من مشروع الاحتجاز العالمي ومقره جنيف: «لا يمكن إنكار سخاء وحجم الأزمة التي يتعين على بولندا والبلدان المجاورة الأخرى أن تستجيب لها، لكن انظروا إلى ما حدث في سوريا، انظروا إلى ما حدث في أفغانستان، انظروا إلى العراق. كان اللاجئون من جميع تلك البلدان يفرون من أوضاع مماثلة من العدوان، والصراع، والحرب، وانتهاكات حقوق الإنسان، والعداء، ولم يتلقوا نفس الاستقبال».

إن سرعة وحجم أزمة اللاجئين غير مسبوقين. وكذلك هو الرد الأوروبي.

وفقا للأرقام الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فقد فر أكثر من 3.5 مليون أوكراني من بلادهم منذ بدء الهجوم الروسي في 24 فبراير الماضي، وسافر الغالبية العظمى غرباً إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، بينما ذهب نصيب الأسد - أكثر من 2 مليون لاجئ - إلى بولندا. وقد تم الترحيب بهم على نطاق واسع، في كل من أوروبا الشرقية وعبر الاتحاد الأوروبي.
وسارعت أورسولا فون دير لاين، رئيس المفوضية الأوروبية، إلى التصريح بأن «كل أولئك الفارين من قنابل روسيا مرحب بهم في أوروبا». وفي عرض نادر للتضامن، منح وزراء الاتحاد الأوروبي بالإجماع حماية شاملة للاجئين الأوكرانيين، مستخدمين لأول مرة توجيهات عام 2001. وتسمح هذه الخطوة لهم بالعيش والسفر والعمل في الكتلة لمدة ثلاث سنوات - وهو تمكين شامل ومطلوب بشدة للأوكرانيين المشردين.

في عام 2015، كان حجم الأزمة مشابهاً، لكن الاستقبال كان أقل ترحيباً بكثير. شهد ذلك العام وصول أكثر من 1.3 مليون شخص إلى أوروبا طالبين اللجوء، في المقام الأول من الحرب الأهلية في سوريا، وأيضا من الاضطرابات في أفغانستان والعراق. وباستثناءات قليلة ملحوظة مثل ألمانيا، التي استقبلت أكثر من مليون لاجئ، رفضت معظم الدول الأوروبية قبولهم بأعداد كبيرة.

كانت المشكلة أكثر وضوحا في أوروبا الشرقية. ففي المجر، أقام رئيس الوزراء اليميني المحافظ، فيكتور أوربان، سياجاً من الأسلاك الشائكة طوله 100 ميل لإبعاد طالبي اللجوء عن الشرق الأوسط، واعتبر أن المسلمين يشكلون تهديداً حضارياً وأمنياً.
وقال في سبتمبر 2015 إن هؤلاء المهاجرين ينتمون إلى دين آخر ويمثلون ثقافة مختلفة جذريا، في حين أن أوروبا والهوية الأوروبية متجذرة في المسيحية.
وفي بولندا، وافقت الحكومة الوسطية على استقبال حوالي 9000 طالب لجوء فقط. وتراجع حزب القانون والعدالة الشعبوي المحافظ، الذي وصل إلى السلطة في وقت لاحق من العام، عن الاتفاق بعد أن أشار مسؤولو الحزب إلى أن اللاجئين قد يكونون إرهابيين أو حاملين للأمراض.
من الواضح أن أزمة اللاجئين الأوكرانيين يُنظر إليها بشكل مختلف تماما عن الأزمة في سوريا، حيث ساعدت روسيا القوات الحكومية، ويجادل البعض بأن الاختلاف الرئيس عن أزمات اللاجئين السابقة هو أن اللاجئين الأوكرانيين هم في الغالب من النساء والأطفال، لكن هذا ليس دقيقا. فقد كان هناك نساء وأطفال بين اللاجئين في عام 2015.
يعكس خطاب السياسيين التصور القائل بأن الأوكرانيين «لاجئون حقيقيون» ولا يشكلون أي تهديد، على عكس أولئك الذين فروا من النزاعات خارج القارة الأوروبية. تقول السيدة رايلي إن التحول الظاهر في المواقف «خاص» من نواحٍ عديدة بالسياق الأوكراني، ولا يزال «ملوثاً جداً بالعنصرية وكراهية الأجانب».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»